تسمى الساعة البيولوجية علميا Biological Clock وهي نظام جسمي نفسي شديد الحساسية له القدرة على إستشعار التغيرات في البيئة المحيطة بجسم الإنسان، ويقوم الجهاز الخاص بذلك بتنظيم عدد من وظائف الجسم المتباينة كالنوم والتمثيل الغذائي والسلوك، وتسير ساعتنا الحياتية والمعروفة بالساعة البيولوجية على إيقاع ومدار الساعة لتنظم عمليات الأيض-التمثيل الغذائي-، وإنقسام الخلايا، وإنتاج الهرمون، إضافة إلى دورة النوم والإستيقاظ .
والساعة البيولوجية أو الساعة الحيوية هي التي تنظم وقت النوم ووقت الشعور بالجوع والتغيرات في مستوى الهرمونات ودرجة الحرارة في الجسم‘ وتعرف التغيرات الحيوية والنفسية التي تتبع دورة الساعة الحيوية بالإيقاع اليومي، وهي تسير وفقا لأنماط سلوكية دورية إيقاعية rhythmic cycles أي تحدث عند فواصل زمنية منتظمة، تتفق غالبا مع دورة الليل والنهار، أو مع تعاقب الفصول، أو مع دورة المد والجزر، أو مع التموجات التي تحدث في العوامل البيئية مثل الضوء والحرارة والرطوبة النسبية وبالضغط البارومتري، فالسلوك الذي يحدث يوميا يعرف بالإيقاع أو التواتر اليومي.
ومن الناحية الفسيولوجية، نجد أن الإنسان في الصباح يختلف عنه في المساء فالتنفس والنبض والنشاط الإنزيمي، وحرارة الجسم، وإفراز الهرمونات، وغيرها من العمليات الفسيولوجية، كلها تختلف على مدار اليوم الواحد.و يعتقد أن التغيرات البيئية مثل قدوم الليل أو طول النهار هي التي تتحكم مباشرة في السلوك الدوري للكائنات الحية.
وفي جسم الإنسان إحساس بالزمن غير القوة الإدراكية، غير العقل في جسم الإنسان، يعني في خلاياه، في أجهزته إحساس بالزمن، لأن خمسين وظيفة حيوية تتعاقب بحسب الليل والنهار. أن سقوط الضوء فوق الشبكية، ينتقل بوساطة سيالات عصبية عبر أعصاب البصر إلى الغدة النخامية، والتي تؤمن التكامل والتكيف بين وظائف الأجهزة الداخلية، والنشاط العام للجسم يرتبط بالغدة الدرقية، فالغدة الدرقية التي فيها الإستقلاب، تحول الغذاء إلى طاقة، فهذا الغذاء يتحول إلى طاقة عالية في النهار، وطاقة متدنية في الليل مع الغدة النخامية والهرمونات لها نسب في الليل، ولها نسب في النهار، لأن الله جعل النهار معاشاً وجعل الليل لباساً، هذا التبدل يحدد مستوى حيوية وظائف الجسم التي تزداد نهاراً، وتتدنى ليلاً، فالحرارة مثلاً تصل في الجسم الإنساني إلى أدنى مستوى خلال الليل، وتأخذ بالإرتفاع إلى أقصى درجة في الساعة السادسة صباحاً، والنبض يتبدل، نبض القلب يتبدل من الليل إلى النهار، والضغط الشرياني يتبدل من الليل إلى النهار، والضغط التنفسي يتبدل من الليل إلى النهار.
مع الإستيقاظ تتراكم في الدم مادة تؤدي إلى تسارع النبض، وإرتفاع ضغط الدم، وهذا يؤدي إلى نشاط الجسم، لذلك هناك عند معظم الناس ذروتان للعمل، من التاسعة حتى الثانية عشرة ظهراً، ومن الرابعة حتى السادسة، في هذه الساعات التي هي ذروة النشاط تزداد قدرة الحواس الخمس، ويُنصح ببذل الجهد في هاتين الذروتين والخلود إلى الراحة في أوقات انخفاض مستوى النشاط البشري.
ما تفعله في النهار لن تستطيع أن تفعله في الليل فهذا الذي يعمل ليلاً ونهاراً بنوبات سريعة تضطرب عنده الساعة البيولوجية في جسمه، والمعدة تكون قدراتها الإفرازية، وقدراتها على هضم الطعام قليلة أثناء ذلك، وهناك اضطرابا عند بعض رجال الأعمال، الذين يتنقلون سريعاً من مدينة إلى أخرى، هؤلاء الذين يتنقلون بهذه السرعة تضطرب عندهم الساعة البيولوجية.
وقد توصل من خلال تقنيات البيولوجيا الجزئية الحديثة أن دورة الليل والنهار على سطح الأرض تتولى مهمة تقويم مسار جميع العمليات الحيوية في الكائنات الحية فلا يمكن للساعة البيولوجية أن تعمل بمفردها بإنتظام لمدة طويلة إذ يعد التعرض لضوء النهار ولو لدقائق معدودة بصورة يومية ضروريا لمواكبة إيقاع الجسم لإيقاع الطبيعة.
وقد تم اكتشاف مجموعة من الخلايا العصبية في الجزء السفلي وسط المخ تعرف بالنواة والتي يعتقد أنها مركز التحكم في الإيقاع اليومي.. تتكون من جزأين أحدهما في النصف الأيمن من المخ والثاني في النصف الأيسر، واظهرت نتائج إحدى الدراسات أن معظم الأشخاص الذين يستخدمون الساعات المنبهة لإيقاظهم للعمل أو لصلاة الفجر مثلا عادةً ما يستيقظون قبل انطلاق جرس المنبه بلحظات وكأن منبها زرع في أجسادهم يوقظهم قبيل الموعد بلحظات، والشيء الملفت للنظر هنا ان هذا التوازن الدقيق يأتي ضمن مكونات مفهوم تزكية النفس والذي يتضمن السمو بها والارتقاء وصقل غاياتها وأهدافها وإحداث التوازن بين مكوناتها من جسم وعقل وروح، فإذا إرتقت النفس في مراتب الرقي من اللوامة الى المطمئنة الى الراضية المرضية كان عون الله لها ورحمته واسعة وغامره يهديها الله بهديه يسددها ويقذف فيها الحق ويرغبها فيه ويريها حسن صورته ويزجرها عن الباطل ويزهدها فيه ويريها قبح صورته وما كان لله فهو له حقا ومن ثم نجد ارتباط الهدي الالهي بذلك فقد جعل الله النفس الامارة بالسوء اكثر ارتباطا بالمادية في طبيعتها وإنسانيته ويجعل الله الشيطان قرينها وصاحبها الذي يليها فهو يعدها ويمنيها ويقذف فيها الباطل ويأمرها بالسوء ويزينه لها ويطيل لها الامل ويحبب اليها الشهوات...الا ترى ان الانسان اذا تعود على قيام الليل وصلاة الفجر يستيقظ قبل الميعاد ونجد الملائكة تقوم بذلك ونجده يستشعر الحماس واللذة في ذلك بينما من تعود على المعاصي والسهر على المفاسد والغفله عن التقرب الى الله والقيام بفروضه وواجباته يزين له شياطين الجن والانس ذلك ويزهدونه في الخيرات والقربات والطاعات...ما اريد ان اصل اليه ان هناك ارتباطا وثيقا بين الساعة البيلوجية والإهتداء والمعصية بحيث أن المهتدين ساعاتهم مضبوطة والملائكة وعون الله معهم بينما العاصون فسدت ساعاتهم في الدنيا والآخرة والشياطين معهم تزين لهم وتفسد حياتهم.
الكاتب: د. أيمن غريب قطب.
المصدر: موقع المستشار.